سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
روى الإمام الحسين عن أبيه أمير المؤمنين عن جدّه رسول الله صلوات الله عليهم وآلهم، في حديث أنّه قال رسول الله لأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما: (إنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده، تحنّ إليكم وتحتمل المذلّة والأذى فيكم، ... أولئك ياعلي المخصوصون بشفاعتي)(1).
هم النجباء والصفوة
من يوم استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه في عاشوراء من السنة الواحدة والستين للهجرة النبوية الشريفة صلى الله عليه وآله، وإلى اليوم، اصطفّ صفّان. صفّ للحسين ولأهل البيت ولرسول الله صلى الله عليه وآله وللقرآن الكريم وللإسلام، وصف آخر في مقابل اولئك. فالذين تبعوا الصفّ الذي فيه الإمام الحسين صلوات الله عليه وإلى اليوم، وهم جمهرة عظيمة، لقّبهم رسول الله صلى الله عليه وآله بكلمتين: النجباء والصفوة، وهم القائمون بالشعائر الحسينية المقدّسة، سابقاً واليوم وغداً.
النجابة هي للصفّ الذي يتبع أهل البيت والإمام الحسين صلوات الله عليهم، ويقوم بالشعائر الحسينية المقدّسة. وأصحاب هذا الصف هم الصفوة الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى تبعاً للمعصومين صلوات الله عليهم، الذين هم المصطفين في الدرجة الأولى. وقد جعلهم الله تعالى نجباء وصفوة كما يبيّن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديثه الشريف المذكور أعلاه (إنّ الله جعل)، ويعني هم صفوة الله تعالى أو صفوة الخلق.
مخصوصون بالشفاعة النبويّة
إنّ النجابة والصفوة هي نتيجة تحملّهم للمذلّة والأذى، أي تحمّلهم الأذى في سبيل أهل البيت صلوات الله عليهم ولتحمّلهم المذلّة في ذلك. فقد كان الظالمون يذلّون أنصار أهل البيت صلوات الله عليهم، خصوصاً الذين يتظاهرون بنصرة أهل البيت ويقيمون شعائرهم المقدّسة، أي لأهل البيت صلوات الله عليهم كلّهم، وللإمام الحسين صلوات الله عليه خاصّة. فالظالمون يتعاملون معهم بأمرين، بالمذلّة والأذى، والصفوة والنجباء يتحمّلون المذلّة والأذى، والنتيجة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وصفهم بقوله (المخصوصون بشفاعتي). وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا لحوائج الناس، وفي الآخرة للنجاة من النار ودخول الجنّة. وهذه الشفاعة لعامّة الذين يأذن الله تعالى لرسوله بشفاعتهم، ولكن اولئك الذين يتحمّلون المذلّة والأذى في سبيل العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، مخصوصون بشفاعة النبي صل الله عليه وآله، أي لهم شفاعة خاصّة من رسول الله صلى الله عليه وآله. ولو لم يك إلاّ هذين الوصفين أي النجابة والصفوة من رسول الله صلى الله عليه وآله لكفى فضيلة ومقاماً للذين يقيمون الشعائر المقدّسة لأهل البيت صلوات الله عليهم وللإمام الحسين صلوات الله عليه خاصّة.
ويستمر الظلم
بلى، إنّ الصفين المشار إليهما، كانا ولايزالان اليوم وسيبقيان، لأنّ الدنيا دار اختبار وامتحان. فهناك من يذلّون القائمين بالشعائر الحسينية المقدّسة عندما تكون لهم القدرة والسلطة، ويؤذونهم. والصف الذي يتبع القرآن ورسول الله والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، ويقيمون الشعائر الحسينية المقدّسة، يتحمّلون ذلك. والتاريخ مليئ بالألوف من النماذج، منذ أن استشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه، وإلى اليوم، وفي مختلف البلدان، وبالخصوص في البلاد الإسلامية مع شديد الأسف. وقد رأى الجيل الحالي، وسمع في الماضي القريب أيّام البعثية في العراق، ماذا صنعوا بالقائمين بالشعائر الحسينية المقدّسة. فقد قتلوهم عبر الطائرات وبالرشاشات وسجنوهم وعذّبوهم بأنوا العذاب، لا لشيء إلاّ لأنّهم كانوا يعلنون ويظهرون الشعائر الحسينية المقدّسة، من زيارة وإقامة المواكب والهيئات وأمثال ذلك.
عاقبة الحكّام
قبل قرابة سبعين سنة، سجّل التاريخ الألوف مما صنعه البهلوي الأول بالشعائر الحسينية المقدّسة في إيران الإسلام من منعها وإذلال من يقوم بها وسجنهم ومصادرة أموالهم وتعذيبهم ومنعهم من أبسط الحقوق الإنسانية. ومن معاجز الله سبحانه وتعالى، أنّ الذين كانوا يذلّون ويؤذون، على حدّ تعبير رسول الله صلى الله عليه وآله، قد ذهبوا أدراج الرياح إلى النسيان، ولم يبق منهم أثر. فأين الذين من حكّام بني أميّة وبني مروان والحجّاج وأمثالهم وأضرابهم، الذين أذلّوا وعذّبوا وآذوا القائمين بالشعائر الحسينية المقدّسة؟ وكذلك بالنسبة إلى بني العباس الذين لم يتركوا قدرة على القتل والأذى والحرمان للقائمين بالشعائر الحسينية المقدّسة، إلاّ استعملوها.
البشارة العظيمة
لكن ومع ذلك، نجد اليوم الشعائر الحسينية تملؤ الأرض، في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية. والألوف من الحسينيات التي تقيم الشعائر الحسينية المقدّسة قد ملأت الأرض، وعشرات الألوف من المواكب والهيئات، وعشرات الألوف من المجالس الحسينية، في أيّام شهري محرّم الحرام وصفر الأحزان بالخصوص، وأيّام عاشوراء بالأخص، وفي طول السنة بالعموم، هي في كل شبر من الأرض، من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي. وتقام الشعائر الحسينية المقدّسة في كل البلاد، بكل أنواعها، وبكل قوّة وعظمة. واولئك الذي آذوا وعذّبوا وأذلّوا، قد ذهبوا إلى النسيان في التاريخ. وهذه بشارة عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله لكل من يقيم الشعائر الحسينية المقدّسة، بما يتمكّن عليه، ولكل من يعظّم شعائر الله تعالى بإقامته للشعائر الحسينين المقدّسة، وتأييدها وترويجها وتنشطيها ويبذل المال لها ويبذل الوقت لها ويدافع عنها، على جميع المستويات، ومن كل الطبقات.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيد التوفيق للقائمين بالشعائر الحسينية المقدّسة في كل مكان، ويتقبّل منهم ويقضي حوائجهم ويسهّل أمورهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة، بجاه محمّد وآله الطاهرين.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: الجزء ٦، الصفحة ٢٢.